فصل: أرباب الرواتب السلطانية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


ثم جهز السلطان الأمير تنكز وأنعم عليه من الخيل والتعابي القماش ما قيمته مائة وعشرون ألف دينار‏.‏

وأقام تنكز في هذه المرة بالقاهرة مدة شهرين‏.‏

فلما وادع السلطان سأله إعفاء الأمير كجكن من الخدمة وأشياء غير ذلك فأجابه إلى جميع ماسأله‏.‏

وكتب له تقليدًا بتفويض الحكم في جميع الممالك الشامية بأسرها وأن جميع نوابها تكاتبه بأحوالها وأن تكون مكاتبته‏:‏ أعز الله أنصار المقر الشريف بعد ما كانت‏:‏ أعز الله أنصار الجناب وأن يزاد في ألقابه‏:‏ الزاهدي العابدي العالمي كافل الإسلام أتابك الجيوش‏.‏

وأنعم السلطان على مغنية قدمت معه من دمشق من جملة مغانيه بعشرة آلاف درهم وحصل لها من الدور ثلاث بذلات زركش وثلاثون تعبية قماش وأربع بذلات مقانع وخمسمائة دينار‏.‏

ثم كان آخر ما قال السلطان لتنكز‏:‏ إيش بقي لك حاجة أو بقي في نفسك شيء أقضيه لك قبل سفرك‏.‏

فقبل الأرض وقال‏:‏ والله ياخوند ما بقي في نفسي شيء أطلبه إلا أن أموت في أيامك فقال السلطان‏:‏ لا إن شاء الله تعيش أنت وأكون أنا فداءك أو أكون بعدك بقليل فقبل الأرض وانصرف وقد حسده سائر الأمراء وكثر حديثهم فيما حصل له من الإكرام الزائد‏.‏

فاتفق ما قال السلطان فإنه لم يقم بعد موت تنكز إلا مدة قليلة‏.‏

وأما أمر النشو فإنه لم يزل على الظلم والعسف في الرعية والأقدار تساعده إلى أن قبض عليه السلطان الملك الناصر في يوم الاثنين ثاني صفر سنة أربعين وسبعمائة وعلى أخيه شرف الدين رزق الله وعلى أخيه المخلص وعلى مقدم الخاص ورفيقه‏.‏

وسبب ذلك أنه زاد في الظلم حتى قل الجالب إلى مصر وذهب أكثر أموال التجار لطرح الأصناف عليهم بأغلى الأثمان وطلب السلطان الزيادة فخاف النشو العجز فرجع عن ظلم العام إلى الخاص ورتب مع أصحابه ذلك‏.‏

وكانت عادته في كل ليلة أن يجمع إخوته وصهره ومن يثق به للنظر فيما يحدثه من المظالم فيقترح كل منهم ما يقترحه من المظالم ثم يتفرقون‏.‏

فرتبوا في ليلة من الليالي أوراقًا تشتمل على فصول يتحصل منها ألف ألف دينار عينًا وقرأها على السلطان‏:‏ منها التقاوي السلطانية المخلدة بالنواحي من الدولة الظاهرية بيبرس والمنصورية قلاوون في إقطاعات الأمراء والأجناد وجملتها مائة ألف إردب وستون ألف إردب سوى ما في بلاد السلطان من التقاوي ومنها الرزق الأحباسية الموقوفة على المساجد والجوامع والزوايا وغير ذلك وهي مائة ألف فدان وثلاثون ألف فدان‏.‏

وقرر النشو مع السلطان أن يأخذ التقاوي المذكورة وأن يلزم كل متولي إقليم باستخراجها وحملها وأن يقيم شادًا يختاره لكشف الرزق الأحباسية فما كان منها على موضع عامر بذكر الله يعطيه نصف ما يحصل ويأخذ من مزارعيه في النصف الآخر عن كل فدان مائة درهم‏.‏

قلت‏:‏ ولم يصح ذلك للنشو وصح مع أستادار زماننا هذا زين الدين يحيى الأشقر قريب بن أبي الفرج لما كان ناظر المفرد في أستادارية قزطوغان فإنه أحدث هذه المظلمة في دولة الملك الظاهر ودامت في صحيفته إلى يوم القيامة فأقول‏:‏ كم ترك الأول للآخر‏.‏

انتهى‏.‏

قال‏:‏ ويلزم المزارع بخراج ثلاث سنين وما كان من الرزق على موضع خراب أو على أهل الأرياف من الفقهاء والخطباء ونحوهم أخذوا واستخرج من مزارعيه خراج ثلاث سنين‏.‏

ومما أحدثه أيضًا أرض جزيرة الروضة تجاه مدينة مصر فإنها بيد أولاد الملوك فيستأجرها منهم الدواوين وينشئون بها سواقي الأقصاب وغيرها‏.‏

ومنها ما باعه أولاد الملوك بأبخس الأثمان‏.‏

وقرر النشو مع السلطان أخذ أراضي الروضة للخاص‏.‏

ومنها

 أرباب الرواتب السلطانية

فإن أكثرهم عبيد الدواوين ونساؤهم وغلمانهم يكتبونها باسم زيد وعمرو وذكر النشو للسلطان أشياء كثيرة من هذه المقولة إلى أن تعرض للأمير آقبغا عبد الواحد ولأمواله وحواصله وحسن للسلطان القبض عليه وشرع في عمل ماقاله‏.‏

فعظم ذلك على الناس وتراموا على خواص السلطان من الأمراء وغيرهم فكلموا السلطان في ذلك وعرفوه قبح سيرة النشو وما قصده إلا خراب مملكة السلطان ثم رميت للسلطان عدة أوراق في حق النشو فيها مكتوب‏:‏ السريع أمعنت في الظلم وأكثرته وزدت يانشو على العالم ترى من الظالم فيكم لنا فلعنة الله على الظالم وأبيات أخر‏.‏

وكان السلطان أرسل قرمجي إلى تنكز لكشف أخبار النشو بالبلاد الشامية فعاد بمكاتبات تنكز بالحط عليه وذكر قبح سيرته وظلمه وعسفه‏.‏

وكان النشو قد حصل له قولنج انقطع منه أيامًا‏.‏

ثم طلع إلى القلعة وأثر المرض في وجهه وقرر مع السلطان إيقاع الحوطة على آقبغا عبد الواحد من الغد وكان ذلك في أول يوم من صفر‏.‏

وتقرر الحال على أنه يجلس النشو على باب الخزانة فإذا خرج الأمير بشتك من الخدمة جلس معه ثم يتوجهان إلى بيت آقبغا ويقبضان عليه‏.‏

فلما عاد النشو إلى داره عبر الحمام ليلة الاثنين ومعه شمس الدين محمد بن الأكفاني وقد قال له بن الأكفاني بأن عليه في هذا الشهر قطعًا عظيمًا فأمر النشو بعض عبيده السودان أن يحلق رأسه ويجرحه بحيث يسيل الدم على جسده ليكون ذلك حظه من القطع ففعل به ذلك وتباشروا بما دفع الله عنه من السوء‏.‏

ثم خرج النشو من الحمام وكان الأمير يلبغا اليحياوي أحد خواص السلطان ومماليكه قد توعك جسده توعكًا صعبًا فقلق السلطان عليه وأقام عنده لكثرة شغفه به فقال له يلبغا فيما قال‏:‏ ياخوند قد عظم إحسانك لي ووجب نصحك علي والمصلحة القبض على النشو وإلا دخل عليك الدخيل فإنه ما عندك أحد من مماليكك إلا وهو يترقب غفلة منك وقد عرفتك ونصحتك قبل أن أموت وبكى‏.‏

وبكى السلطان لبكائه وقام السلطان وهو لا يعقل لكثرة ما داخله من الوهم لثقته بمحبة يلبغا له وطلب بشتك في الحال وعرفه أن الناس قد كرهوا هذا النشو وأنه عزم على الإيقاع به فخاف بشتك أن يكون ذلك امتحانًا من السلطان ثم وجد عزمه قويًا في القبض عليه فاقتضى الحال إحضار الأمير قوصون أيضًا فحضر وقوي عزم السلطان على ذاك وما زالا به حتى قرر معهما أخذه والقبض عليه‏.‏

وأصبح النشو وفي ذهنه أن القطع الذي تخوف منه قد زال عنه بما دبره ابن الأكفاني من إسالة دمه‏.‏

ثم علق عليه عدة من العقود والطلسمات والحروز وركب إلى القلعة وجلس بين يدي السلطان على عادته وأخذ معه في الكلام على القبض على آقبغا عبد الواحد فأمره السلطان أن يجلس على باب خزانة القصر حتى يخرج إليه الأمير بشتك ثم يمضيا لإيقاع الحوطة على موجود آقبغا عبد الواحد ثم نهض النشو وتوجه إلى باب الخزانة وجلس عليها ينتظر مواعدة بشتك‏.‏

فعندما قام النشو طلب السلطان المقدم بن صابر وأسر إليه أن يقف بجماعته على باب القلعة وعلى باب القرافة ولا يدعوا أحدًا من حواشي النشو وجماعته وأقاربه وإخوته أن ينزلوا ويقبضوا عليهم الجميع‏.‏

وأمر السلطان بشتك وبرسبغا الحاجب أن يمضيا إلى النشو ويقبضا عليه وعلى أقاربه‏.‏

فخرج بشتك وجلس بباب الخزانة وطلب النشو من داخلها فظن النشو أنه جاء لميعاده مع السلطان حتى يحتاطا على موجود آقبغا فساعة ما وقع بصره عليه أمر مماليكه بأخذه فأخذوه إلى بيته بالقلعة وبعث إلى بيت الأمير ملكتمر الحجازي فقبض على أخيه رزق الله ثم أخذ أخاه المخلص وسائر أقاربه‏.‏

وطار الخبر في القاهرة ومصر فخرج الناس كلهم كأنهم جراد منتشر‏.‏

وركب الأمير آقبغا عبد الواحد والأمير طيبغا المجدي والأمير بيغرا والأمير برسبغا لإيقاع الحوطة على بيوت النشو وأقاربه وحواشيه ومعهم عدوه جمال الكفاة كاتب الأمير بشتك وشهود الخزانة‏.‏

وأخذ السلطان يقول للأمراء‏:‏ كم تقولون النشو ينهب مال الناس الساعة ننظر المال الذي عنده وكان السلطان يظن أنه يؤديه الأمانة وأنه لا مال له‏.‏

فندم الأمراء على تحسينهم مسك النشو خوفًا من ألا يظهر له مال لاسيما قوصون وبشتك من أجل أنهما كانا بالغا في الحط عليه فكثر قلقهما ولم يأكلا طعامًا نهارهما وبعثا في الكشف على الخبر‏.‏

فلما أوقع الأمراء الحوطة على دور الممسوكين بلغهم أن حريم النشو في بستان في جزيرة الفيل فساروا إليه وهجموا عليه فوجدوا ستين جارية وأم النشو وامرأته وإخوته وولديه وسائر أهله وعندهم مائتا قنطار عنب وقند كثير ومعاصر وهم في عصر العنب‏.‏

فختموا على الدور والحواصل ولم يتهيأ لهم نقل شيء منها‏.‏

هذا وقد غلقت الأسواق بمصر والقاهرة واجتمع الناس بالرميلة تحت القلعة ومعهم النساء والأطفال وقد أشعلوا الشموع ورفعوا على رؤوسهم المصاحف ونشروا الأعلام وهم يصيحون استبشارًا وفرحًا بقبض النشو والأمراء تشير إليهم أن يكثروا مماهم فيه واستمروا ليلة الثلاثاء على ذلك فلما أصبحوا وقع الصوت من داخل القلعة بأن رزق الله أخا النشو قد قتل نفسه وهو أنه لما قبض عليه قوصون وكل به أمير شكاره فسجنه ببعض الخزائن فلما طلع الفجر قام الأمير شكار إلى صلاة الصبح فقام رزق الله وأخذ من حياصته سكينًا ووضعها في نحره حتى نفذت منه وقطعت ورائده فلم يشعر أمير شكار إلا وهو يشخر وقد تلف فصاح أمير شكار حتى بلغ صياحه قوصون فانزعج لذلك وضرب أمير شكاره ضربًا مبرحًا إلى أن علم السلطان الخبر فلم يكترث به‏.‏

وفي يوم الاثنين المذكور أفرج السلطان عن الصاحب شمس الدين موسى ابن التاج إسحاق وأخيه ونزلا من القلعة إلى الجامع الجديد الناصري بمصر‏.‏

وكان شمس الدين هذا قد وشى به النشو حتى قبض عليه السلطان وأجرى عليه العقوبة أشهرًا إلى أن أشيع موته غير مرة وقد ذكرنا أمر عقوبة شمس الدين هذا وما وقع له في ترجمته في تاريخنا المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي فإن في سيرته عجائب فلينظر هناك‏.‏

قال الشيخ كمال الدين جعفر الأدفوي في يوم الاثنين هذا وفي معنى مسك النشو وغيره هذه الأبيات‏:‏ الخفيف إن يوم الاثنين يوم سعيد فيه لا شك للبرية عيد أخذ الله فيه فرعون مصر وغدا النيل في رباه يزيد وقال الشيخ شمس الدين محمد بن الصائغ الحنفي في معنى مسك النشو والإفراج عن شمس الدين موسى وزيادة النيل هذه الأبيات‏:‏ الطويل لقد ظهرت في يوم الاثنين آية أزالت بنعماها عن العالم البوسا تزايد بحر النيل فيه وأغرقت به آل فرعون وفيه نجا موسى وفي المعنى يقول أيضًا القاضي علاء الدين علي بن يحيى بن فضل الله كاتب السر‏:‏ البسيط في يوم الاثنين ثاني الشهر من صفر ندىس البشير إلى أن أسمع الفلكا يا أهل مصر نجا موسى ونيلكمو طغى وفرعون وهوالنشو قد هلكا ثم في يوم الثلاثاء نودي بالقاهرة ومصر‏:‏ بيعوا واشتروا واحمدوا الله تعالى على خلاصكم من النشو‏.‏

ثم أخرج رزق الله أخو النشو ميتًا في تابوت امرأة حتى دفن في مقابر النصارى خوفًا عليه من العامة أن تحرقه‏.‏

ثم دخل الأمير بشتك على السلطان واستعفى من تسليم النشو خشية مما جرى على أخيه فأمر السلطان أن يهدده على إخراج المال ثم يسلمه لابن صابر فأوقفه بشتك وأهانه فالتزم إن أفرج عنه جمع للسلطان من أقاربه خزانة مال ثم تسلمه ابن صابر فأخذه ليمضي به إلى قاعة الصاحب فتكاثرت العامة لرجمه حتى طردهم نقيب الجيش وأخرجه والجنزير في عنقه حتى أدخله قاعة الصاحب والعامة تحمل عليه حملة بعد حملة والنقباء تطردهم‏.‏

ثم طلب السلطان في اليوم المذكور جمال الكفاة إبراهيم كاتب الأمير بشتك وخلع عليه واستقر في وظيفة نظر الخاص عوضًا عن شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله المعروف بالنشو بعد تمنعه‏.‏

ورسم له أن ينزل للحوطة على النشو وأقاربه ومعه الأمير آقبغا عبد الواحد وبرسبغا الحاجب وشهود الخزانة‏.‏

فنزل بتشريفه وركب بغلة النشو حتى أخرج حواصله وقد أغلق الناس الأسواق وتجمعوا ومعهم الطبول والشموع وأنواع الملاهي وأرباب الخيال بحيث لم يبق حانوت بالقاهرة مفتوح نهارهم كله‏.‏

ثم ساروا مع الأمراء على حالهم إلى تحت القلعة وصاحوا صيحة واحدة حتى انزعج السلطان وأمر الأمير أيدغمش بطردهم‏.‏

ودخلوا الأمراء على السلطان بما وجدوه للنشو وهو من العين خمسة عشر ألف دينار مصرية‏.‏

وألفان وخمسمائة حبة لؤلؤ قيمة كل حبة مابين ألفي درهم إلى ألف درهم‏.‏

وسبعون فص بلخش قيمة كل فص ما بين خمسة آلاف درهم إلى ألفي درهم‏.‏

وقطعة زمرد فاخر زنتها رطل‏.‏

ونيف وستون حبلًا من لؤلؤ كبار زنة ذلك أربعمائة مثقال‏.‏

ومائة وسبعون خاتم ذهب وفضة بفصوص مثمنة‏.‏

وكف مريم مرصع بجوهر‏.‏

وصليب ذهب مرصع‏.‏

وعدة قطع زركش سوى حواصل لم تفتح‏.‏

فخجل السلطان لما رأى ذلك وقال للأمراء‏:‏ ‏"‏ لعن الله الأقباط ومن يأمنهم أو يصدقهم وذلك أن النشو كان يظهر له الفاقة بحيث إنه كان يقترض الخمسين درهمًا والثلاثين درهمًا حتى ينفقها‏.‏

وبعث في بعض الليالي إلى جمال الدين إبراهيم بن المغريي رئيس الأطباء يطلب منه مائة درهم ويذكر له أنه طرقه ضيف ولم يجد له ما يعشيه به وقصد بذلك أن يكون له شاهد عند السلطان بما يدعيه من الفقر‏.‏

فلما كان في بعض الأيام شكا النشو الفاقة للسلطان وابن المغربي حاضر فذكر للسلطان أنه اقترض منه في ليلة كذا مائة درهم فمشى ذلك على السلطان وتقرر في ذهنه أنه فقير لا مال له‏.‏

انتهى‏.‏

واستمر الأمراء تنزل كل يوم لإخراج حواصل النشو فوجدوا في بعض الأيام من الصيني والبلور وفي يوم الخميس خامسه زينت القاهرة ومصر بسبب قبض النشو زينة هائلة دامت سبعة أيام وعملت أفراح كثيرة‏.‏

وعملت العامة فيه عدة أزجال وبلاليق وأظهروا من الفرح واللهو والخيال ما يجل وصفه‏.‏

ووجدت مآكل كثيرة في حواصل النشو منها‏:‏ نحو مائتي مطر مملوءة ملوحة وثمانين مطر جبن وأحمال كثيرة من سواقة الشام‏.‏

ووجد له أربعمائة بذلة قماش جديدة وثمانون بذلة قماش مستعمل‏.‏

ووجد له ستون بغلطاق نسائي مزركش ومناديل زركش عدة كثيرة‏.‏

ووجد له صناديق كثيرة فيها قماش سكندري مما عمل برسم الحرة جهة ملك المغرب قد اختلسه النشو وكثير من قماش الأمراء الذين ماتوا والذين قبض عليهم‏.‏

ووجد له مملوك تركي قد خصاه هو واثنين معه ماتا وخصى أيضًا أربعة عبيد فماتوا فطلب السلطان الذي خصاهم وضربه بالمقارع وجرس‏.‏

وتتبعت أصحابة وضرب منهم جماعة‏.‏

ثم وجد بعد ذلك بمدة لإخوة النشو ذخائر نفيسة منها لصهره ولي الدولة صندوق فيه مائة وسبعون فص بلخش‏.‏

وست وثلاثون مرسلة مكللة بالجوهر‏.‏

وإحدى عشرة عنبرينة مكللة بلؤلؤ كبار‏.‏

وعشرون طراز زركش وغير ذلك ما بين لؤلؤ منظوم وزمرد وكوافي زركش قوموا بأربعة وعشرين ألف دينار‏.‏

وضرب المخلص أخو النشو ومفلح عبده بالمقارع فأظهر المخلص الإسلام‏.‏

ثم في يوم الثلاثاء ثاني عشرين شهر ربيع الأول وجدت ورقة بين فرش السلطان فيها‏:‏ المملوك بيرم ناصح السلطان يقبل الأرض وينهي‏:‏ إنني أكلت رزقك وأنت قوام المسلمين ويجب على كل أحد نصحك وإن بشتك وآقبغا عبد الواحد اتفقا على قتلك مع جماعة من المماليك فاحترس على نفسك‏.‏

وكان بشتك في ذلك اليوم قد توجه بكرة النهار إلى جهة الصعيد فطلب السلطان الأمير قوصون والأمير آقبغا عبد الواحد وأوقفهما على الورقة فكاد عقل آقبغا أن يختلط من شدة الرعب‏.‏

وأخذ الأمير قوصون يعرف السلطان أن هذا فعل من يريد التشويش على السلطان وتغيير خاطره على مماليكه‏.‏

فأخرج السلطان البريد في الحال لرد الأمير بشتك فأدركه بإطفيح وقد مد سماطه فلما بلغه الخبر قام ولم يمد يده إلى شيء منه‏.‏

وجد في سيره حتى دخل على السلطان فأوقفه السلطان على الورقة فتنصل مما رمي به كما تنصل آقبغا واستسلم وقال‏:‏ هذه نفسي ومالي بين يدي السلطان‏.‏

وإنما حمل من رماني بذلك الحسد على قربي من السلطان وعظم إحسانه إلي ونحو هذا حتى رق له السلطان وأمره أن يعود إلى الصيد إلى جهة قصده‏.‏

ثم طلب السلطان ناظر ديوان الجيش ورسم له أن يكتب كل من اسمه بيرم ويحضره إلى آقبغا عبد الواحد‏.‏

فارتجت القلعة والمدينة فطلب ناظر الجيش المذكورين وعرضهم وأخذ خطوطهم ليقابل بها كتابة الورقة فلم يجده‏.‏

فلما أعيا آقبغا الظفر بالغريم اتهم النشو أنها من مكايده‏.‏

واشتد قلق السلطان وكثر انزعاجه بحيث إنه لم يستطع أن يقر بمكان واحد وطلب والي القاهرة وأمره بهدم ما بالقاهرة من حوانيت صناع النشاب وينادي‏:‏ من عمل نشابًا شنق فامتثل ذلك‏.‏

وخرب جميع مرامي النشاب وغلقت حوانيت القواسين‏.‏

ونزل الأمير برسبغا إلى الأمراء جميعهم وعرفهم عن السلطان أن من رمى من مماليكم بالنشاب أو حمل قوسًا كان أستاذه عوضًا عنه في التلاف وألا يركب أحد من الأمراء بسلاح ولا تركاش‏.‏

وبينما الناس في هذا الهول الشديد إذ دخل رجل يعرف بابن الأزرق كان أبوه ممن مات في عقوبة النشو له عند مصادرته لجمال الكفاة وقد تقدم ذكر بن الأزرق في أمر بناء جامع الخطيري وطلب الورقة ليعرفهم من كتبها فقام جمال الكفاة إلى السلطان ومعه الرجل فلما وقف عليها قال‏:‏ يا خوند هذه خط أحمد الخطائي وهو رجل عند ولي الدولة صهر النشو يلعب معه النرد ويعاقره الخمر فطلب المذكور وحاققه الرجل محاققة طويلة فلم يعترف فعوقب عقوبات مؤلمة إلى أن أقر بأن ولي الدولة أمره بكتابتها فجمع بينه وبين ولي الدولة فأنكر ولي الدولة ذلك وطلب أن يرى الورقة فلما رآها حلف جهد أيمانه أنها خط بن الأزرق الشاكي لينال منه غرضه من أجل أن النشو قتل أباه وحاققه على ذلك‏.‏

فاقتضى الحال عقوبة بن الأزرق فاعترف أنها كتابته وأنه أراد أن يأخذ بثأر أبيه من النشو وأهله‏.‏

فعفا السلطان عن بن الأزرق ورسم بحبس بن الخطائي‏.‏

ورسم لبرسبغا الحاجب وابن صابر المقدم أن يعاقبا النشو وأهله حتى يموتوا‏.‏

وأذن السلطان للأجناد في حمل النشاب في السفر دون الحضر فصارت هذه عادة إلى اليوم‏.‏

ويقال إن سبب عقوبة النشو أن أمراء المشورة تحدثوا مع السلطان وكان الذي ابتدأ بالكلام سنجر الجاولي وقبل الأرض وقال‏:‏ حاشى مولانا السلطان من شغل الخاطر وضيق الصدر فقال السلطان‏:‏ يا أمراء هؤلاء مماليكي أنشأتهم وأعطيتهم العطاء الجزيل وقد بلغني عنهم ما لا يليق فقال الجاولي‏:‏ حاشى لله أن يبدو من مماليك السلطان شيء من هذا غير أن علم مولانا السلطان محيط بأن ملك الخلفاء ما زال إلا بسبب الكتاب وغالب السلاطين ما دخل عليهم الدخيل إلا من جهة الوزراء ومولانا السلطان ما يحتاج في هذا إلى أن يعرفه أحد بما جرى لهم ومن المصلحة قتل هذا الكلب وإراحة الناس منه فوافقه الجميع على ذلك فضرب المخلص أخو النشو في هذا اليوم بالمقارع وكان ذلك في يوم الخميس رابع عشرين شهر ربيع الأول حتى هلك يوم الجمعة العصر ودفن بمقابر اليهود‏.‏

ثم ماتت أمه عقيبه‏.‏

ثم مات ولي الدولة عامل المتجر تحت العقوبة ورمي للكلاب هذا والعقوبة تتنوع على النشو حتى هلك يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الآخر من سنة أربعين وسبعمائة فوجد النشو بغير ختان‏.‏

وكتب به محضر ودفن بمقابر اليهود بكفن قيمته أربعة دراهم ووكل بقبره من يحرسه مدة أسبوع خوفًا من العامة أن تنبشه وتحرقه‏.‏

وكان مدة ولايته وجوره سبع سنين وسبعة أشهر‏.‏

ثم أحضر ولي الدولة صهر النشو وهذا بخلاف ولي الدولة عامل المتجر الذي تقدم وأمر السلطان بعقوبته فدل على ذخائر النشو ما بين ذهب وأوان فطلبت جماعة بسبب ودائع النشو وشمل الضرر غير واحد‏.‏

وكان موجود النشو سوى الصندوق الذي أخذه السلطان شيئًا كثيرًا جدًا عمل لبيعه تسع وعشرون حلقة بلغت قيمته خمسة وسبعين ألف درهم‏.‏

وكان جملة ما أخذ منه سوى الصندوق نحو مائتي ألف دينار‏.‏

ووجد لولي الدولة عامل المتجر ما قيمته خمسون ألف دينار‏.‏

ووجد لولي الدولة صهر النشو زيادة على مائتي ألف دينار‏.‏

وبيعت للنشو دور بمائتي ألف درهم‏.‏

وركب الأمير آقبغا عد الواحد إلى دور آل النشو فخربها كلها حتى ساوى بها الأرض وحرثها بالمحاريث في طلب الخبايا فلم يجد بها من الخبايا إلا القليل‏.‏

انتهى‏.‏

وأما أصل النشو هذا أنه كان هو ووالده وإخوته يخدمون الأمير بكتمر الحاجب فلما انفصلوا من عنده أقاموا بطالين مدة‏.‏

ثم خدم النشو هذا عند الأمير أيدغمش أمير آخور فأقام بخدمته إلى أن جمع السلطان في بعض الأيام كتاب الأمراء لأمر ما فرآه السلطان وهو واقف من وراء الجماعة وهو شاب طويل نصراني حلو الوجه فاستدعاه وقال له‏:‏ ايش اسمك قال‏:‏ النشو فقال‏:‏ ‏"‏ أنا أجعلك نشوي ورتبه مستوفيًا في الجيزة‏.‏

وأقبلت سعادته فيما ندبه إليه وملا عينه ثم نقله إلى استيفاء الدولة فباشر ذلك مدة حتى استسلمه الأمير بكتمر الساقي وسلم إليه ديوان سيدي آنوك ثم نقله بعد ذلك إلى نظر الخاص بعد موت القاضي فخر الدين ناظر الجيش فإن شمس الدين موسى بن التاج ولي الجيش والنشو هذا ولي عوضه الخاص‏.‏

انتهى‏.‏

وفي آخر شهر ربيع الآخر نودي على الذهب أن يكون صرف الدينار بخمسة وعشرين درهمًا وكان بعشرين درهمًا‏.‏

وفي هذه السنة فرغت مدرسة الأمير آقبغا عبد الواحد بجوار الجامع الأزهر وأبلى الناس في عمارتها ببلايا كثيرة منها‏:‏ أن الصناع كان قرر عليهم آقبغا أن يعملوا بهذه المدرسة يومًا في الاسبوع بغير أجرة ثم حمل إليها الأصناف من الناس ومن العمائر السلطانية فكانت عمارتها ما بين نهب وسرقة‏.‏

ومع هذا فإنه ما نزل إليها قط إلا وضرب بها أحدًا زيادة على شدة عسف مملوكه الذي أقامه شادًا بها‏.‏

فلما تمت جمع بها القضاة والفقهاء ولم يول بها أحد وكان الشريف المحتسب قدم بها سماطًا بنحو ستة آلاف درهم على أن يلي تدريسها فلم يتم له ذلك‏.‏

ثم إن السلطان نزل إلى خانقاه سرياقوس التي أنشأها في يوم الثلاثاء ثامن عشرين شهر ربيع الاخر من سنة أربعين وسبعمائة وقد تقدمه إليها الشيخ شمس الدين محمد الأصفهاني وقوام الدين الكرماني وجماعة من صوفية سعيد السعداء‏.‏

فوقف السلطان على باب خانقاه سعيد السعداء بفرسه وخرج إليه جميع صوفيتها ووقفوا بين يديه فسألهم من يختارونه شيخًا لهم بعد وفاة الشيخ مجد الدين موسى بن أحمد بن محمود الأقصرائي فلم يعينوا أحدًا‏.‏

فولى السلطان بها الركن الملطي خادم المجد الأقصرائي المتوفى‏.‏

وانقطع السلطان في هذه الأيام عن الخروج إلى دار العدل نحو عشرين يومًا بسبب شغل خاطره لمرض مملوكه يلبغا اليحياوي وملازمته له إلى أن تعافى وعمل السلطان لعافيته سماطًا عظيمًا هائلًا بالميدان وأحضر الأمراء ثم استدعى بعدهم جميع صوفية الخوانق والزوايا وأهل الخير وسائر الطوائف ومد لهم الأسمطة الهائلة‏.‏

وأخرج من الخزائن السلطانية نحو ثلاثين ألف درهم أفرج بها عن المسجونين على دين وأخرج للأمير يلبغا المذكور ثلاث حجورة بمائتي ألف درهم وحياصة ذهب مرصعة بالجوهر كل ذلك لعافية يلبغا المذكور‏.‏

ثم في هذه السنة تغير خاطر السلطان على مملوكه الأمير تنكز نائب الشام وبلغ تنكز تغير خاطر السلطان عليه فجهز أمواله ليحملها إلى قلعة جعبر ويخرج هو إليها بعد ذلك بحجة أنه يتصيد‏.‏

فقدم إليه الأمير طاجار الدوادار قبل ذلك في يوم الأحد رابع عشر ذي الحجة وعتبه وبلغه عن السلطان ما حمله من الرسالة فتغير الأمير تنكز وبدأت الوحشة بينه وبين السلطان وعاد طاجار إلى السلطان في يوم الجمعة تاسع عشر في الحجة فأغرى السلطان على تنكز وقال‏:‏ إنه عزم على الخروج من دمشق‏.‏

فطلب السلطان بعد الصلاة الأمير بشتك والأمير بيبرس الأحمدي والأمير جنكلي بن البابا والأمير أرقطاي والأمير طقزدمر في آخرين وعرفهم أن تنكز قد خرج عن الطاعة وأنه يبعث إليه تجريدة مع الأمير جنكلي والأمير بشتك والأمير أرقطاي والأمير أرنبغا أمير جاندار والأمير قماري أمير شكار والأمير قماري أخو بكتمر الساقي والأمير برسبغا الحاجب ومع هذه الأمراء السبعة ثلاثون أمير طبلخاناه وعشرون أمير عشرة وخمسون نفرًا من مقدمي الحلقة وأربعمائة من المماليك السلطانية وجلس السلطان وعرضهم‏.‏

ثم جمع السلطان في يوم السبت عشرين ذي الحجة الأمراء جميعهم وحلف المجردين والمقيمين له ولولده الأمير أبي بكر من بعده وطلبت الأجناد من النواحي للحلف فكانت بالقاهرة حركات عظيمة‏.‏

وحمل السلطان لكل مقدم ألف مبلغ ألف دينار ولكل أمير طبلخاناه أربعمائة دينار ولكل مقدم حلقة ألف درهم ولكل مملوك خمسمائة درهم وفرسًا وقرقلًا وخوذة‏.‏

فاتفق قدوم الأمير موسى بن مهنا فقرر معه السلطان القبض على الأمير تنكز وكتب إلى العربان بأخذ الطرقات من كل جهة على تنكز‏.‏

ثم بعث السلطان بهادر حلاوة من طائفة الأوجاقية على البريد إلى غزة وصفد وإلى دمشق بملطفات كثيرة‏.‏

ثم أخرج موسى بن مهنا لتجهيز العربان قلت‏:‏ على قدر الصعود يكون الهبوط ما لتلك الإحسان والعظمة المحبة الزائدة لتنكز قبل تاريخه إلا هذه الهمة العظيمة في أخذه والقبض عليه ولكن هذا شأن الدنيا مع المغرمين بها‏.‏

ثم إن الملك الناصر كثر قلقه من أمر تنكز وتنغص عيشه‏.‏

وخرج العسكر المعين من القاهرة لقتال تنكز في يوم الثلاثاء ثالث عشرين ذي الحجة من سنة أربعين وسبعمائة‏.‏

وكان حلاوة الأوجاقي قدم على الأمير ألطنبغا الصالحي نائب غزة بملطف‏.‏

وفيه أنه استقر في نيابة الشام عوضًا عن تنكز وأن العسكر واصل إليه ليسيروا به إلى دمشق‏.‏

قلت‏:‏ وألطنبغا نائب غزة هو عدو تنكز الذي كان تنكز سعى في أمره حتى عزله السلطان من نيابة حلب وولاه نيابة غزة قبل تاريخه‏.‏

ثئم سار حلاوة الأوجاقي إلى صفد وإلى الشام وأوصل الملطفات إلى أمراء دمشق‏.‏

ثم وصلت كتب ألطنبغا الصالحي إلى أمراء دمشق بولايته نيابة الشام‏.‏

ثم ركب الأمير طشتمر الساقي المعروف بحمص أخضر نائب صفد إلى دمشق في ثمانين فارسًا واجتمع بالأمير قطلوبغا الفخري وسنجر البشمقدار وبيبرس السلاح دار‏.‏

واتفق ركوب الأمير تنكز في ذلك اليوم إلى قصره فوق ميدان الحصى في خواصه للنزهة وبينما هو في ذلك إذ بلغه قدوم الخيل من صفد فعاد إلى دار السعادة وألبس مماليكه السلاح فأحاط به في الوقت أمراء دمشق ووقع الصوت بوصول نائب صفد فخرج عسكر دمشق إلى لقائه وقد نزل بمسجد القدم‏.‏

فأمر نائب صفد جماعة من المماليك الأمراء أن يعودوا إلى تنكز ويخرجوه إليه فدخل عليه جماعة منهم تمر الساقي والأمير طرنطاي البشمقدار وبيبرس السلاح دار وعرفوه مرسوم السلطان فأذعن لقلة أهبته للركوب فإن نائب صفد طرقه على حين غفلة باتفاق أمراء دمشق ولم يجتمع على تنكز إلا عدة يسيرة من مماليكه فلذلك سلم نفسه‏.‏

فأخذوه وأركبوه إكديشًا وساروا به إلى نائب صفد وهو واقف بالعسكر على ميدان الحصى فقبض عليه وعلى مملوكيه‏:‏ جنغاي وطغاي وسجنا بقلعة دمشق‏.‏

وأنزل تنكز عن فرسه على ثوب سرج وقيده وأخذه الأمير بيبرس السلاح دار وتوجه به إلى الكسوة فحصل لتنكز إسهال ورعدة خيف عليه الموت فأقام بالكسوة يومًا وليلة ثم مضى به بيبرس إلى القاهرة ونزل طشتمر حمص أخضر نائب صفد بالمدرسة النجيبية‏.‏

وتقدم بهادر حلاوة عندما قبض على تنكز ليبشر السلطان بمسك تنكز فوصل إلى بلبيس ليلًا والعسكر نازل بها وعرف الأمير بشتك‏.‏

ثم سار حتى دخل القاهرة وأعلم السلطان الخبر فسر سرورًا زائدًا وكتب بعود العسكر من بلبيس إلى القاهرة ما خلا بشتك وأرقطاي وبرسبغا الحاجب فإنهم يتوجهون إلى دمشق للحوطة على مال تنكز وأن يقيم الأمير بيغرا أمير جاندار والأمير قماري أمير شكار بالصالحية إلى أن يقدم عليهما الأمير تنكز‏.‏

وعاد جميع العسكر إلى الديار المصرية‏.‏

وسار بشتك ورفيقاه إلى غزة فركب معهم الأمير ألطنبغا الصالحي إلى نحو دمشق فلقوا الأمير تنكز على حسبان فسلموا عليه وأكرموه‏.‏

وكان بشتك لما سافر من القاهرة صحبة العسكر كان في ذلك اليوم فراغ بناء قصره الذي بناه ببين القصرين فلم يدخله برجله واشتغل بما هو فيه من أمر السفر فشرع السلطان في غيبته في تحسين القصر المذكور‏.‏

وكان سبب عمارة بشتك لهذا القصر أن الأمير قوصون لما أخذ قصر بيسري وجدده أحب الأمير بشتك أن يعمل له قصرًا تجاه قصر بيسري ببين القصرين فدل على دار الأمير بكتاش الفخري أمير سلاح وكانت أحد قصور الخلفاء الفاطميين التي اشتراها من ذريتهم وأنشأ بها الفخري دورًا وإسطبلات وأبقى ما كان بها من المساجد فشاور بشتك السلطان على أخذها فرسم له بذلك فأخذها من أولاد بكتاش وأرضاهم وأنعم عليهم‏.‏

وأنعم السلطان عليه بأرض كانت داخلها برسم الفراشخاناه السلطانية‏.‏

ثم أخذ بشتك دار أقطوان الساقي بجوارها وهدم الجميع وأنشأه قصرًا مطلًا على الطريق وارتفاعه أربعون ذراعًا وأساسه أربعون ذراعًا وأجرى إليه الماء ينزل إلى شاذروان إلى بركة به‏.‏

وأخرب في عمله أحد عشر مسجدًا وأربعة معابد أدخلها فيه فلم يحدد منها سوى مسجد رفعه وعمله معلقًا على الشارع‏.‏

وفي هذه الأيام ورد الخبر على السلطان من بلاد الصعيد بموت الخليفة المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بقوص في مستهل شعبان وأنه قد عهد إلى ولده أحمد بشهادة أربعين عدلًا وأثبت قاضي قوص ذلك فلم يمض السلطان عهده وطلب إبراهيم بن محمد المستمسك بن أحمد الحاكم بأمر الله في يوم الاثنين ثالث عشر شهر رمضان واجتمع القضاة بدار العدل على العادة فعرفهم السلطان بما أراد من إقامة إبراهيم في الخلافة وأمرهم بمبايعته فأجابوا بعدم أهليته وأن المستكفي عهد إلى ولده واحتجوا بما حكم به قاضي قوص فكتب السلطان بقدوم أحمد المذكور‏.‏

وأقام الخطباء بالقاهرة ومصر نحو أربعة أشهر لا يذكرون في خطبتهم الخليفة‏.‏

فلما قدم أحمد المذكور من قوص لم يمض السلطان عهده وطلب إبراهيم وعرفه قبح سيرته فأظهر التوبة منها والتزم سلوك طريق الخير‏.‏

فاستدعى السلطان القضاة وعرفهم أنه قد أقام إبراهيم في الخلافة فأخذ قاضي القضاه عز الدين بن جماعة يعرف السلطان عدم أهليته فلم يلتفت السلطان اليه وقال‏:‏ إنه قد تاب والتائب من الذنب كمن لا ذنب له فبايعوه ولقب بالواثق وكانت العامة تسميه المستعطي فإنه كان يستعطي من الناس ما ينفقه‏.‏